الخشية من الله محور إحدى الأبحاث التفسيرية في مكتب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في الليالي الرمضانية

استمر مكتب سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله الوارف في كربلاء المقدسة بعقد مجالس تفسير سورة طه المبارك، حيث يلقي سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد مهدي الشيرازي أبحاثه في هذا الصدد.

الأبحاث تمحورت في إحدى لياليه حول قوله تعالى: (إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَن يَخْشَى‏) سورة طه: الآية 3.

فقد بيّن: أنّ الكثير من الآيات تعليمية كالأحكام الشرعية، قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)، وكذا توجد مجموعة من القوانين التذكيرية بما أودع الله تعالى في فطرة الإنسان منذ خلقه فتأتي الآيات المباركات لتذكِّره بها، فالقرآن انزل لكي يوقظ الإنسان من نومه ليفيق وليخشى إثر الإفاقة ويعتبر.

وأضاف: الخشية حالة تحصل عند الشعور بعظمة الخالق وهيبته وخوف الحجب عنه وهذه الحالة لا تحصل إلا لمن اطلع على حال الكبرياء وذاق لذة القرب فالخشية خوف خاص، ولذا قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) سورة فاطر: 28. فحينما يعظم الخالق في أنفسهم يصغر ما دونه، وعليه: فالخشية هي الخوف النابع عن العلم والمعرفة، فقوام الاعتبار بالقرآن الخشية وقوام الخشية المعرفة.

ونبّه كذلك إثر سؤال: هل القرآن نزل للبشر وللعالمين قاطبة أو لمن يخشى فقط؟

فقال: نجد بعض الآيات المباركات تركّز على البشرية جمعاء، قال تعالى: (وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) سورة المدَّثر: الآية: 31، وقال تعالى: (نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ)، وقال كذلك:

(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا). وقال: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ). الأنعام، الآية:90

 بينما نجد آيات أخرى تخص الأمر ببعض الناس وهم المؤمنون ومن يخشى كما في الآية محور البحث، وآيات أخرى نرى الاختصاص بالمتقين، قال تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)، سورة البقرة، الآية: 2. وكذا قوله سبحانه: (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ).

والجواب على ذلك: إنّ موقف الناس تجاه هذا النذير والتذكير ينقسم إلى قسمين:

الأول: يخشى ويعتبر فله جزاء الحسنى.

الثاني: لا ينصاع ولا يخشى.

والقرآن تذكرة لمن يستفيد منه، و لمن يوجد في ذاته الاستعداد لذلك، كما الأرض لا تستفيد من المطر إلّا بشرط أن تكون مستعدة لاستقباله، و كذلك قلب الإنسان لا يستفيد من بركة الرسالة، إلّا بشرط استعداده لاستقبالها واستعداده للتذكر والخشية.

وأضاف: إنّ تعبير «من يخشى» يبيّن أن نوعا من الإحساس بالمسؤولية، والذي سمّاه القرآن بالخشية، إذا لم يكن موجودا في الإنسان، فسوف لا يقبل الحقائق، لأنّ قابلية القابل شرط في حمل ونمو كل بذرة و حبة. وهذا التعبير في الحقيقة شبيه بما نقرؤه في أوّل سورة البقرة: (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ‏)، ويشهد لذلك قوله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا)، سورة المزمل/19. فالتذكرة للجميع لكن هنالك من يشاء الاتعاظ ويعي التذكرة: (لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ).

كما وبحث عنواناً مهمّا تمحور حول السؤال التالي: ما هو دور القرآن و الرسول صلى الله عليه واله في أداء الرسالة؟

فبّين أنّ الآية الكريمة: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ)، سورة الغاشية، الآية: 21، بينت دور الرسول والرسالة بوضوح والأمر الى المكلف بعد التبيين والتذكير، قال سبحانه: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ).

ومن ثمَّ شرع في بيان معنى التذكرة لغة واصطلاحاً قائلاً: التذكرة هي إيجاد الذكر فيمن نسي الشي‏ء، مصدر باب تفعيل مثل تبصرة جذره من مادة الذكر.

هنالك مجموعة من الحقائق التي اودعها الله تعالى في فطرة الإنسان كالاعتقاد بوجود الله ووحدانيته وإلوهيته والنبوة والمعاد وغير ذلك من الأمور المودعة في الفطرة والتي تولد مع تولد الإنسان لكن بمرور الزمن وبفعل العوامل الخارجية والطبيعة البشرية يقبل الإنسان على الدنيا ويشتغل بزخارفها اشتغالا لا يدع في قلبه فراغا فيخلد إلى الأرض وينسى ما أودع في فطرته.

هذه من العوامل الخارجية والعوامل الداخلية كما ذكرنا من الخلود إلى الأرض والبحث عن ملذات الدنيا او حاجات الجسد وهنا يأتي دور القرآن ودور الرسول لإرجاع ما نسيه الإنسان، ولذا ورد في الأثر الشريف: «ليثيروا لهم دفائن العقول» وبذلك تكون التذكرة عبر إبراز الحقائق بعد نسيانها.

 وقال: إنّ التعبير بـ «تذكرة» يشير إلى واقع لا يمكن إنكاره، وهو: إن التذكرة توحي بأن أسس ومقوِّمات التعليمات الإلهية موجودة في أعماق روح الإنسان و طبيعته، و تعليمات الأنبياء تجعلها مثمرة، و توصلها إلى حد النضج، كما نذكّر أحيانا بمطلب و أمر ما.