تواصل محاضرات تفسير سورة طه المباركة في مكتب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

واصل مكتب سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله عقد محاضراته في تفسير القرآن العظيم بمناسبة شهر رمضان المبارك لهذا العام 1438 هجرية بحضور العلماء والفضلاء وطلبة العلوم الدينية والمؤمنين.

فقد واصل سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد مهدي الشيرازي إلقاء محاضراته في تفسير سورة طه المباركة مؤكداً ان التفسير الواقعي للقرىن العظيم أي معرفة مراد الله سبحانه الواقعي منه لا يعلمه إلا من خوطب به، وما نقوم به هو نفهمه من ظاهر بعض الآيات بالاستعانة ببعض التفاسير.

وبيّن كذلك أن ما وصل الينا من تفسير أهل البيت عليهم السلام قليل جداً، فما وصل إلا شذرات وصبابة كصبابة الإناء مما منحهم الله تبارك وتعالى وذلك للأسباب التالية:

الأول: عدم وجود من يتحمل تلك العلوم الإلهية.

فكم تمنوا أن يجدوا أوعية يفرغوا فيها بعض علومهم ولكنهم لم يعثروا على ذلك فالمناخ البدائي الذي عاشوه في ذلك الوقت المبكِّر في ذلك المجتمع المتخلف الجاهلي شح عليهم إلا بعقول عقيمة اضطروا إلى إعطائها بقدرها، وها هو علي عليه السلام يضرب على صدره قائلا: «إن ههنا لعلماً جماً لو أصبت له حملة».

وكان علي عليه السلام يدخل رأسه في البئر يفضي إليها إسراره، وكان يقول عليه السلام: «سلوني قبل أن تفقدوني».

وعن السجاد عليه السلام:

 يا ربَ جوهرِ علمٍ لو أبُوح به *** لقيل ذلك ممن يعبد الوثنا

ولاستحل رجال المسلمين دمي *** يرون أقبح ما يأتونه حسنا

الثاني: كان هنالك بعض من يتحمل تلك العلوم حيث وجد المعصوم آفاقا واسعة في بعض الرواة ولكنهم اضطروا للاحتفاظ بالمعاني العميقة السامية خشية أن تنهشهم التهم، فقد حدَّث أميرُ المؤمنين عليه السلام ليلةً كاملةً العباسَ عن تفسير البسملة ولم يصل إلينا منه شيء لأنه كتمه عن ذلك المجتمع لقصور الرأي العام.

الثالث: عدم وصول ما روي عنهم لكثرة ما احرق ومزق ما أحاديثهم حقداً وحسداً وخوفاً، فأين تفسير الإمام العسكري الذي بلغ 120 مجلداً ولم يصلنا إلا جزء واحد منه وأصبح لون ماء نهر دجلة اسود من كثرة الكتب التي أُلقيت فيه، وإحراق روايات النبي صلى الله عليه وآله مما يشهد له صحاحهم والتي مورست هذه الجريمة الكبرى بعد استشهاد النبي صلى الله عليه وآله فما نقوم به ليس إلا محاولة للتدبر ولفهم جوانب قليلة من الآيات وقد أقدمنا على ذلك لحث القرآن الكريم.

بعد ذلك شرع في بيان مقدمة لتفسير سورة طه المباركة، مبيناً ابتداءً فضلها عبر نقل روايات مباركة منها:

روى الشيخ الصدوق رضوان الله عليه عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا تدعوا قراءة سورة طه فان اللَّه يحبّها و يحبّ من يقرئها و من أدمنَ قراءتها أعطاه اللَّه يوم القيمة كتابه بيمينه و لم يحاسبه بما عمل في الإسلام و أُعطى في الآخرة من الأجر حتّى يرضى».

و في كتاب البرهان: «مَن كتبها و جعلها في خرقة حرير خضراء وراح إلى قومٍ يُريدُ التزويج منهم تمّ له ذلك ووقع، وان قصد في صلاح قوم تمّ له ذلك، و لم يخالفه أحد منهم و إن مشى بين عسكرين افترقا و لم يقاتلوا بعضهم بعضاً، و إذا شرب مائها المظلوم من السلطان و دخل على من ظلمه من أيّ السلاطين زال عنه ظلمه بقدرة اللَّه تعالى و خرج من عنده مسروراً وإذا اغتسلت بمائها من لا طولب لعرسها خطبت وسهل عرسها بإذن اللَّه».

وعقّب قائلاً: هنالك بحث مفصّل في تفسير وتوجيه هذه الآثار المترتبة على بعض السور والأذكار وبعض الأعمال، وإجمالاً أنَّها على نحو المقتضي لا العلة التامة

والفرق أن العلة التامة هي التي إن تحققت تحقق المعلول والنتيجة بلا فصل كما لو أدخلت يدك في النار ولم يكن هنالك مانع فقد تحققت العلة التامة للاحتراق فتحترق اليد لا محالة.

واما إن توفر المقتضي فقط من دون توفر شرط  التأثير او مع وجود المانع عن التأثير لم يتحقق المعلول.

 كما تقول النار تحرق فلو أدخلنا الخشب الرطب في النار فهل يحترق؟ كلا فإن المقتضي للإحراق موجود لكن المانع يمنع المقتضي من التأثير في مقتضاه وهذا جار في جميع مرافق الحياة.

ما هو الفرق بين السور المكية والمدنية:

سورة طه من السور المكية التي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله في مكة

وطبيعة السور المكية تحتوي على التركيز على العقائد الحقة والالماع إلى الخطوط العامة للأحكام الشرعية فقهاً وحقوقاً وأخلاقاً وأما تناول الجزئيات وتفصيل المسائل الشرعية ففي السور المدنية.

 

ما هو محور الحديث في سورة طه:

سورة طه كعموم سور القرآن تبحث في موضوعات شتى و لا غرابة، في ذلك فإن أسلوب القرآن العظيم في بادئ الرأي قد يظهر منه موضوعات غير منسجمة، إلّا أنها- عند التأمل- نجدها ترمز الى كلّ الموضوعات التي نجدها في السورة ببلاغة نافذة و قول فصل.

بعد ذلك شرع في بحث البسملة المباركة، قائلاً:

البسملة شعار القرآن حيث تبتدئ سور القرآن بهذه الآية باستثناء سورة التوبة لحكمة خاصة نذكرها في سورة التوبة إن شاء الله تعالى، والبسملة شعار المسلم في كل عمل يقوم به ففي الحديث الشريف: «كل أمر ذي بال لم يذكر فيه بسم الله فهو ابتر»، وفي رواية عن الإمام الباقر عليه السلام: «وينبغي الإتيان به عند كل أمرٍ عظيم او صغير ليبارَك فيه».

وتكرار البسملة قبل كل عمل إلفات إلى حقيقة أننا نبدأ عملنا بهذا الاسم المبارك فتتركز هذه الحقيقة في الذهن حقيقة الارتباط بالله والاستعانة به والاستمداد منه، وبدأ كل شيء بالله عقيدة ولفظاً ليترسَخ الأمر في شعور الإنسان فيستتبع ذلك العمل على ضوء هذا الاعتقاد فلا يتجاوز اوامر الله ونواهيه، فالله حاضر في عالم اللفظ عندنا وتكرار حضوره لفظا يستتبع حضوره ذهنا عادة ثم حضوره العملي في حياتنا اليومية، وهذا ما يؤكده علماء النفس والأخلاق فإن التلقين والإيحاء النفسي مؤثر في توجيه سلوك الإنسان كالجبن والشجاعة وسائر الملكات النفسانية التي تتغير حسب التركيز عليه.

 

معنى الرحمة:

الرحمة حالة تعرض على القلب عند مشاهد منظر مؤلم فتوجب رقة القلب مما يؤدي بالإنسان إلى السعي إلى رفع سبب تلك الحالة من نقص أو ألم او حاجة

كما لو شاهد يتميا يبكي أو فقيرا أنهكه الجوع او مظلوما يتلوى تحت سياط الظالمين فتعرضه حالة الرقة والخشوع ليندفع إلى تغيير ذلك الواقع المؤلم هذه هي الرحمة

لكن هذا المعنى لا ينطبق على الله تعالى فإن الله ليس محلاً للحوادث بل المراد حينما تطلق هذه الكلمة على الله أنه منبع العطاء والإفاضة لرفع الحاجة فالرحمة ذات شقين مبدأ ومنتهى المبدأ هو الوصف الانفعالي الخاص الذي يعرض على القلب والمنتهى هو الافاضة والعطاء.

هذا ومن المقرر استمرار محاضرات التفسير الى ختام الشهر الفضيل.