سماحة المرجع الشيرازي دام ظله لوفد حركة النجباء: الشيعة عائلة واحدة ويجب حل مشاكلهم بأنفسهم لا بأجنبي

قام بزيارة المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، وفد من حركة النجباء من العراق، ترأسه الناطق الرسمي للحركة السيد هاشم الموسوي، وذلك في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، في الخامس من شهر جمادى الآخرة1438للهجرة (4/3/2017م).

بعد أن رحّب سماحته بالضيوف الكرام، قال السيد الموسوي: أحمل لكم سلام الإخوة في الحركة وفي الحشد الشعبي، ومن العراق، على مستوى من المؤسسات المرجعية الدينية. وإن شاء الله نبقى على الميثاق لخدمة الإسلام والمسلمين، ونكون الذراع القوي للمذهب. ومن سرورنا تجديد اللقاء، وأن نكون بحضرتكم وبمحضركم، وهذا شيء كبير وعظيم أن يرجع الإنسان إلى الله تعالى، وفي الأرض إلى الفقهاء كما قال أهل البيت صلوات الله عليهم.
فقال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: عليكم وعليهم السلام، ولهم سلامي ودعائي.

الحياة كلمتان، ولا ثالث لها، وهما: أدوار ومواقف. والشيعة في مختلف المجالات التاريخية، أدّى الكثير منهم نِعمَ الدور مع الله تعالى ومع أهل البيت صلوات الله عليهم، ووقفوا نِعمَ الموقف، منذ أن أطلق رسول الله صلى الله عليه وآله كلمة الشيعة على أتباع أمير المؤمنين صلوات الله عليه، حيث قال: ياعليّ أنت وشيعتك، ولم يقل أتباعك. وفي حديث آخر قال: هذا وشيعته هم الفائزون. ومنذ أن أطلق رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الكلمة، وقف الكثير من الشيعة موقفاً جديداً مع الله ومع أهل البيت صلوات الله عليهم، وأدّوا أدوارا حميدة ومحمودة، وفي طليعتهم أمثال أبي ذر رضوان الله تعالى عليه، الذي نفاه عثمان إلى الربذة خارج المدينة، فودّعه الإمام أمير المؤمنين والإمامين الحسن والحسين صلوات الله عليهم، وقال له الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه ما مضمونه: إنّ القوم خافوك على دنياهم، وخفتهم على دينك. فارجو من خفتهم له. وغيره وغيره، وغيرهم وغيرهم. 

وقال سماحته: بعد استشهاد الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وكما ذكر التاريخ، انّ أكثر من ثلاثين ألفاً من الرجال والنساء والأطفال، وفي مكان واحد وهو اليمن، ذُبحوا وقتلوا وعذّبوا وأحرقوا باسم انّهم شيعة عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، وذلك عبر مبعوث معاوية إلى اليمن بسر بن أرطاة. وكذلك ما جرى في قصّة مالك بن نويرة وزوجته. وحقيقة، لا يستطيع الإنسان أن يدرك ماعاناه أولئك الشيعة، ولكنهم صمدوا وتحمّلوا. وقد قالت زوجة مالك لأمير المؤمنين صلوات الله عليه: لأجلك أصابنا ما أصابنا. ولعلّ قولها ليس لسان عتاب بل لسان إخلاص. والآن المشاكل بالعراق، من جهة هي أصعب من مشكلة الشيعة مع البعثيين، ولكن من جهة أخرى هي أهون.

وبيّن سماحته: أنا عاصرت خمس حكومات بالعراق، من الملكيّين، إلى الشيوعيين أيّام عبد الكريم قاسم، وإلى القوميين أيّام عبد السلام عارف، وإلى الديمقراطيين أيّام يحيى طاهر وأمثاله، وإلى البعثيين الذين كانوا يُخرجون أمثالنا من العراق بعنف، وفي الوقت نفسه ما كانوا يعطوننا إجازة خروج. ونحن، وعلى حدّ تعبير السيد الأخ المرحوم (المرجع الراحل قدّس سرّه الشريف)، خرجنا من العراق، وكما يقول القرآن الكريم: (فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) سورة الشعراء: الآية21. وعلى حدّ تعبير السيد الأخ المرحوم، خرجنا شرعياً لأن القرآن الكريم قد أجاز ذلك، حيث قال تعالى: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) سورة الملك: الآية15. أي انّ الله تعالى قد أعطى تأشيرة الخروج (ذكر سماحته ذلك بابتسامة).

وأضاف سماحته: وأتذكّر جيّداً، ذلك اليوم، أنه لم يك بإمكاننا المجيء لإيران لأننا كنّا نواجه مشكلة مع حكومة الشاه، نتيجة المظاهرات التي أقيمت ضدّ الشاه في كربلاء المقدّسة، ولذلك ذهبنا إلى الكويت. وأذكر في الكويت، أنّ أحد الكويتيين كان يريد الذهاب إلى العراق من الكويت، وكان من زملاء المرحوم الأخ، وكذلك من زملاء الشهيد محمد باقر الصدر. فقال له السيد الأخ: أبلغ السيد الصدر عنّي انّ البعثيين لن يدعوك تبقى على قيد الحياة، ولن يدعوك تعمل قط، فاخرج من العراق، واعمل له من خارجه. وبعد فترة رجع الرجل من العراق، وقال للأخ: قال الشهيد محمد باقر: أنا قناعتي أن أبقى في العراق، وأنا أنتصر. وبالنتيجة جرى القلم على ما جرى. ومع شديد الأسف، مرّت ثلاثة عقود سوداء من التاريخ بالعراق. ومن الأكيد والمؤكّد انّه خلال الفترة من 2003 إلى 2017 للميلاد، ما حدث في داخل العراق، من قتل وتفجيرات وأحزمة ناسفة وسيارات مفخّخة وقتل جماعي، هي أقلّ بكثير مما حدث زمن صدام. ولكن المشكلة الآن، من جهة هي أصعب، ومن جهة أخرى أهون. والأهون هو انّ الشيعة بمثابة عائلة واحدة، فمن يحلّ مشكلة هذه العائلة، سوى العائلة نفسها. ففي المثل المعروف: ما حكّ ظهرك مثل ظفرك.

وأردف سماحته: ومن جهة المشكلة الداخلية هي أصعب، ولكن لا حيلة من ذلك. فإننا لا نأتي بالأجنبي من الخارج ليحلّ لنا مشاكلنا. بل نحمد الله تعالى إذا لم يذبحنا. 
يقول الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: ليس العاقل من يعرف الخير والشر، وإنّما العاقل من يعرف خير الشرّين. وعلى اصطلاح العراقيين: رطبة بين سلايتين. فإذا صار الإنسان بين سلايتين، يجب أن يختار إحداهما، وإلاّ يبتلى بالسلايتين. بلى، السلايّة تنخر البدن وتُدمي وتؤذي، ولكن لا حيلة منها. وهذا ما يحتاجه الشيعة، أي إلى هذه الثقافة، حتى يعبروا هذه المرحلة. وبالنتيجة هذه المرحلة لابدّ أن تحدث. وهي صعبة ولكن ما هو الحلّ؟

وأوضح سماحته، أيضاً: بالنتيجة، وما هو مؤسف، انّه موجود في العراق إلى الآن مشاكل كبرى، وأسأل الله تعالى أن يعين العراق بلد أهل البيت صلوات الله عليهم. فمزارات نصف المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم في العراق. ستة مستشهدون وهم عليّ والحسين والكاظم والجواد والهادي والعسكري صلوات الله عليهم. ومزار واحد في سامراء أيضاً، لمولانا بقيّة الله الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف. وكان العراق بلد المشاكل، ولكن هذا ليس معناه أن تبقى المشاكل في العراق إلى آخر الدنيا.

وذكر سماحته مثالاً على الجهود التي كان يبذلها الشيعة بالماضي، وقال: في أيّام بني العباس، وبالتحديد في أيّام البويهيين الذين حكموا العراق من قبل العباسيين، كان الشيعة في الكاظمية المقدّسة، عند مزار الإمامين الجوادين صلوات الله عليهما، كانوا يصلّون صلاة العيد يوم الغدير، وهذا ما لا نجده اليوم في العراق. وفي هذا اليوم، وفي بغداد التي كانت حينها أكبر من بغداد اليوم، كان الشيعة ينصبون طاولات كبيرة ضخمة مملوءة بأنواع الحلويات في شوارع بغداد، وكان الناس يأكلون منها، ويأخذون منها لبيوتهم أيضاً، كما يحدث في وقتنا الراهن في الزيارة الأربعينية بالعراق. وهذا ممكن أن يكون بالعراق في يوم الغدير اليوم. ولكن المشكلة هي حلّ مشكلة العائلة الواحدة، وهم الشيعة. فيكفي هذا المقدار من التجارب المرّة.

وأكّد سماحة المرجع الشيرازي: لو كان الشيعة عائلة واحدة وغير مشتّتين بينهم، لما حدثت بحقّهم كل تلك الجرائم الكبيرة التي لحقتهم زمن صدام. وعلى كل، لا تحلّ كل الآلام كل المشاكل، بل يمكن أن يستفيد منها الإنسان، ويعتبر بها. ولكن، سيكون ذلك اليوم لخلاص العراق من المشاكل، إن شاء الله، وإن قدّره الله ومولانا بقيّة الله عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وهو البلسم الأكيد والكامل والجامع والدائم. ولكن إن لم يقّدر الله ذلك اليوم، فالحلّ هو ما يقوله المثل المعروف: ما حكّ ظهرك مثل ظفرك.

وختم دام ظله حديثه القيّم، مخاطباً الضيوف الكرام: أسأل الله تبارك وتعالى أن تكونوا أنتم النخبة من الذين يوفّقون لمثل هذه المبادرة، رغم شعوري بصعوبتها جدّاً جدّاً، ولكن لا حلّ سواها.

بعدها تحدّث السيد هاشم الموسوي وقال: سيّدنا، مجيئنا هنا وهذا اليوم هو لعرض ثلاث قضايا أساسية. الأولى العمليات العسكرية في الموصل واللعبة الأميركية التركية البارزانية. والثانية قضية التسوية. والثالثة الوضع السياسي الشيعي القادم. فالإخفاقات السياسية والتنازلات والصفقات والمساومات والمشاكل داخل البيت الشيعي، جعلت التلكؤ والبطء والتراجع والتخاذل في المعترك السياسي، وجعلت الآخر الذي له طموح في الاستحواذ أن يتنفّس. وجعلت العراق ساحة للمخابرات الأجنبية والدولية، لكي تجعل العراق مسرحاً وساحة للصراعات الأخرى. وأحدثت حالة الاستضعاف للفرد الشيعي، والمؤسسة الشيعية. فما حدث من خراب للبنى التحتية للعراق، وبالأخصّ جنوب العراق الذي قدّم ويقدّم التضحيات والشهداء من العلماء والرجال والنساء والأطفال والمقابر الجماعية، وحتى الانتفاضة الشعبانية، لم تستثمر. 

وذكر الموسوي تفاصيل أخرى من أوضاع العراق اليوم، فقال حول الموصل: سيّدنا! الإرهاب أراد احتلال العراق ووصل أبواب بغداد، ونحن قاتلنا ودافعنا قبل صدور الفتوى. والآن غيّرنا المعادلة من قولهم (قادمون يابغداد) إلى (قادمون يا موصل). وستُحلّ قضية الموصل، ولكن المرحلة من بعد تحريرها ستكون هي الأصعب والأقسى لما يخطّط له الأعداء المتعدّدون. ونحن لا نقبل بالتسوية مع الإرهابيين والبعثيين ومع أصحاب المنصّات ومع كل من تلطّخت أياديهم بدماء العراقيين. فنحن نقاتل نيابة عن العالم كلّه، ونمتلك قوّة المرجعيات، وقوّة الحشد الشعبي الذي بات اليوم قوّة كبيرة، وقوّة الشعب العراقي المضحّي. فعلينا أن نكون بإرادة هذه القوى الثلاث.

وأضاف الموسوي: نحن نعاني من أزمة الخطاب الوحدوي، الذي يحمل التسامح والمودّة والتقارب، ولا يكون خطاباً عدائياً تكفيرياً ومنفّراً، بل احتوائي للجميع، وهذا ما نأمله من المؤسسة الدينية باعتبارها الراعي الأبوي، ونحن أبناء هذه المؤسسة. وأنتم سماحتكم لكم الباع الطويل الطويل، في هذا المجال، ونأمله منكم، ومتمنّين لكم الصحة والعافية.

قال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: مشكورون. وأسأل الله تعالى أن يحقّق الآمال، وسيحقّقها بخسائر أقلّ. وموفّقين إن شاء الله.