هل يجب اللطف على الله؟

alshirazi.net

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وآله الطيبين الطاهرين المعصومين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وبعد: كثير من الطائفة الأمامية وتبعهم المعتزلة ذهبوا إلى وجوب اللطف على الله تعالى.

وفسروه: ما يقرب العبد إلى طاعة الله سبحانه ويبعده عن معصيته بغير إلجاء ولا إكراه ولا إجبار ولا اضطرار، فانه تعالى أعطى كل مكلف القدرة على الفعل والترك فيما كلفهم به إثباتا أو نفياً، وحيث أراد منهم الأفعال الحسنة وترك الأفعال السيئة فالواجب عليه عقلاً  أن يقربهم إلى ذلك ..، والتقريب هو اللطف.

 وقد قال أحد العلماء:

نصب الإمام حافظ الزمام                               لطف من الله على الأنام

فإنه مقرب للطاعــــة                               وقائد الناس إلى الإطاعة

 وفي القرآن الحكيم: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)[1].

وقال سبحانه: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ  نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا)[2].

ومن الواضح أن اللطف أمر زائد على ذلك, ويدل عليه العقل والنقل.

الدليل النقلي:

ففي القرآن الحكيم: (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ)[3] أي يفعل ما هو لطف بحالهم وهو صادق ولا أصدق من الله سبحانه وتعالى حيث قال سبحانه: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً)[4].

الدليل العقلي:

 ما يعرف ب«نقض الغرض» وهو ترك فعل يحصل به غرضه قبيح فلا يتركه تعالى فانه قدير حكيم عليم.

مقدار اللطف الواجب:

ثم لا يخفى إن المراد باللطف الواجب ما لا يتم التكليف إلّا به, حسب ما سنّه الله في هذه الدنيا, مثل إرسال الرسل وإنزال الكتب ونصب الأئمة والأوصياء وجعل العلماء في كل زمان في الجملة..

أما ما زاد على ذلك فلا يجب مطلقا, لوضوح أن الله جعل في الدنيا لكل شخص شخص حجة قوية, قال عزوجل: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)[5] ولكن لم ينزل الملائكة على كل فرد فرد مع أنه نوع من اللطف.

فلو نزل الملائكة على الكل بالأمر والنهي وأرى الناس المفاسد والمصالح الواقعية أو كلمهم الموتى أو أسمعهم أصواتً من السماء أو من الأرض أو من الجبال لكانوا أقرب إلى الطاعة قطعا, لكن ذلك يخرج الدنيا عن أسلوبها الخاص وعما وضعه الباري من السنن الكونية ولم يبق مجال للامتحان وما أشبه.

فلا يقتضي اللطف الذي نقول به مثل هذه الأمور, وقد أشار القرآن الحكيم إلى ذلك بقوله سبحانه: (إِن  نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)[6].

ثم إن الأمر في اللطف ليس يتم في هذه الدنيا فحسب, بل القبر والقيامة أيضاً محل التكميل والامتحان كما أن الأمر لم يتبدء بهذه الدنيا.. فكانت عوالم أخرى وقد دلّ على كل ذلك النقل.[7]

 والحمد لله رب العالمين.

 ــــــــــــــــــــــــــ

[1]  سورة البقرة: 286.

[2]  سورة الطلاق: 7.

[3] سورة الشورى: 19.

[4]  سورة النساء: 122.

[5]  سورة البلد: 10.

[6]  سورة الشعراء: 4.

[7]  راجع الكافي: ج8 ص174 ب8 ح194.