الحمد الله
رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة
على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
من
الاعتقادات المسلّمة والمهمة مسألة البداء.
ادلته: دل
عليه الكتاب العزيز والسنة المطهرة والإجماع منا والعقل.
دلالة الكتاب:
قال سبحانة:
(يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)
الرعد
39.
وقال تعالى:
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا
بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ)
المائدة
64.
وقال سبحانة:
(يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ) فاطر 1.
وقال تعالى:
(لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)
الروم 4.
والمراد به:
الإظهار بعد الاخفاء، وإلا فالله سبحانه وتعالى يعلم كل شيء منذ القدم حيث كان
جلت قدرته بلا أول وإلى الأزل، ولا آخر له، فإنه عالم بجميع الأنواع الممكنة من
المخلوقات وأطوارها وكيفياتها وخصوصياتها وزيادتها ونقيصتها وتغييرها وتبديلها
وشرائطها وخصوصياتها وعللها ومعلولاتها و... .
وفي
الروايات ما يدل على ذلك كما ستأتي.
دلالة العقل:
كما دل عليه
الدليل العقلي أيضاً، فإنه تعالى عالمٌ حيث لا معلوم وقادرٌ حيث لا مقدور، فليس
علمه وقدرته عبارة عن الإضافة الاشراقية للوجود إليها، كما قال بعض الإشراقيين،
حتى في زمان وجود المعلوم والمقدور، فكيف بما قبله، بل «العلم» عبارة عن النور
الذي تكشف به المعلومات قبل كونها وبعد كونها، و«القدرة» عبارة عن السلطنة على
إيجادها وإعدامها، وعلى أن يفعل وأن لا يفعل، وعلى أن يعدم الموجود وأن لا يعدم
الموجود، سواء أوجدها أو لم يوجدها.
وهذان ـ
العلم والقدرة ـ عين ذاته سبحانه وتعالى، مثل سائر صفات الذات، فله سبحانه
القدرة المطلقة و اللامحدودية في قدرته تكويناً مع عدم تناهي مقدوراته الممكن
إيجادها، وهكذا في علمه المطلق، بل كما في الأول أعدم وأوجد كذلك في الأخير
يعدم ويوجد… وليس مرادنا في الأول والأخير أوليته وآخريته تعالى بل أولية الشيء
وآخريته، والمراد بالإيجاد والإعدام وما أشبه ذلك هو مشيئته تعالى، فإن كان
ذاته لولا مشيئته كافياً في وجود المقدورلزم وجود جميعها وإلا لزم عدم وجود شيء
منها، فلا مخصص للشيء الموجود إلا المشيئة، وإنما يظهر شيئاً ثم يتركه إلى
غيره، كما قال: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ
الْكِتَابِ) سورة الرعد :39، وذلك لأجل بعض المصالح مثل امتحان الناس وما
أشبه.. .
كلام العلامة المجلسي
رحمه الله:
وقد قال
العلامة المجلسي رحمه الله: «إنهم عليهم السلام بالغوا في البداء رداّ على
اليهود الذين يقولون إن الله قد فرغ من الأمر، وعلى النّظام وبعض المعتزلة
الذين يقولون إن الله خلق الموجودات دفعه واحدة على ماهي عليه الآن معادناً
ونباتاً حيواناً وإنساناً ولم يتقدم خلق آدم على خلق أولاده، والتقدم إنما يقع
في ظهورها لا في حدوثها ووجودها، وإنما أخذوا هذه المقالة من أصحاب الكمون
والظهور من الفلاسفة، وعلى بعض الفلاسفة القائلين بالعقول والنفوس الفلكية وبأن
الله تعالى لم يؤثر حقيقة إلا في العقل الأول فهم يعزلونه تعالى عن ملكه
وينسبون الحوادث إلى هؤلاء» بحار الأنوار: ج1 ص130 ب3.
وعلى
الآخرين منهم قالوا إن الله سبحانه أوجد جميع مخلوقاته دفعة واحدة دهرية لا
ترتيب فيها باعتبار الصدور بل إنما ترتيبها في الأزمان فقط كما انه لا ترتب في
الأجسام المجتمعة زماناً وأنما ترتيبها في المكان فقط، (فنفوا عليهم السلام ذلك
وأثبتوا أنه تعالى كل يوم في شأن من إعدام شيء وإحداث آخر وإماتة شخص وإحياء
آخر إلى غير ذلك، لئلا يتركوا العباد التضرع إلى الله ومسألته وطاعته والتقرب
إليه بما يصلح أمور دنياهم وعقباهم وليرجوا عند التصدق على الفقراء وصلة
الأرحام وبر الوالدين والمعروف والاحسان ما وعدوا عليها من طول العمر وزيادة
الرزق وغير ذلك) إنتهى كلامه رفع مقامه.
لا يقال:
إذا كان عنده علم الكتاب فهو يعلم أن زيداً يموت يوم كذا مثلاً فألف دعاء ودعاء
لا يؤثر، أو يعلم أن زيداً لا يموت فالدعاء لا فائدة فيه بل يكون لغواً محضاً.
لأنه يقال:
إن الله يعلم أنه يموت إذا لم يدع وأنه لايموت إذا دعا، فالدعاء من الشرائط كما
أن الدواء من الشرائط، وإلا ورد الإشكال نفسه في الدواء أيضاً حيث يقال: إنه إن
علم أنه يموت فلان فلا فائدة في الدواء وإن علم أنه لا يموت فالدواء لغو محض.
معنى يمحو الله:
ومعنى
(يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ)
الرعد:39، هو أن النبي صلى الله عليه وآله يخبر
ـ مثلا ـ والملائكة يرون في اللوح أن العروس تموت في هذه الليلة، ثم تتصدق هي
فلا تموت، وإنما كان الإخبار من النبي صلى الله عليه وآله والإثبات في اللوح
بموتها على نحو الاقتضاء لا العلة التامة،وأما في أم الكتاب فالله يعلم انها
تتصدق ولا تموت، فالإظهار المخالف هو للمصلحة، مثلا: في قصة العروس ـ كما في
الخبر بحار الأنوار ح4 ص94 ب3ح1
المروي عن عيسى عليه السلام إذا لم تمت وأظهر
عيسى عليه السلام أنه بسبب الصدقة ـ تسارع الناس إلى التصدق.
إلى غير ذلك
من الأمثلة.. .
وبذلك ظهر
حال دلالة العقل على البداء، لأنه مقتضى الجمع بين علم الله وقدرته وبين
المصلحة.
دلالة الروايات:
أما ثاني
الأدلة: فهو الروايات المتواترة، فمعنى «بدا له سبحانه»: الإبداء، لا البداء
لذاته المقدسة.
فعن عبيد بن
زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ما بدا لله بداء أعظم من بداء بدا له
في إسماعيل إبني) كمال الدين: ص69.
وعن علي بن
جعفر قال: كنت حاضراً عند أبي الحسن عليه السلام لما توفي إبنه محمد، فقال
للحسن: (يا بني أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً) الإرشاد: ج2 ص315.
وعن أبي عبد
الله عليه السلام قال: «أدع الله ولا تقل إن الأمر قد فرغ منه، إن عند الله
منزلة لا تنال إلا بمسألة» عدة الداعي: ص29ب1.
وفي رواية
أخرى قال عليه السلام: «الدعاء يرد القضاء وقد اُبرم إبراماً»
عدة الداعي: ص16ب1.
وعن أبي
الحسن موسى عليه السلام: «عليكم بالدعاء فإن الدعاء والطلب إلى الله يرد البلاء
وقد قدر وقضي فلم يبق إلا إمضاؤه، فإذا دعا الله عز وجل وسأل صرف البلاء صرفاً»
مكارم الأخلاق: ص388.
وعن عمر بن
يزيد قال: سمعت أبي الحسن عليه السلام يقول: «إن الدعاء يرد ما قدر وما لم
يقدر،قال: قلت: وما قد قدر فقد عرفته، فما لم يقدر؟ قال: حتى لا يكون»
عدة
الداعي: ص17ب1.
وعن إسحاق
بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ان في بني إسرائيل نبي وعده الله أن
ينصره إلى خمس عشرة ليلة فأخبر بذلك قومه، فقالوا: والله إذا كان ليفعلن
وليفعلن فأخره الله إلى خمس عشرة سنة، وكان فيهم من وعده الله النصرة إلى خمس
عشرة سنة، فأخبر بذلك النبي قومه فقالوا: ما شاء الله فعجله الله لهم في خمس
عشرة ليلة» بحار
الأنوار:ج4ص112ب3ح32.
وعن زرارة
عن أحدهما عليها السلام قال: «ما عبد الله عز وجل بشيء مثل البداء»
التوحيد: ص331ب54ح1.
وعن هشام بن
سالم عن الصادق عليه السلام: «ما عظم الله عز وجل بمثل البداء»
التوحيد ص333ب54ح2.
وعن محمد بن
مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ما بعث الله عز وجل نبياً حتى يأخذ
عليه بثلاث خصال: الإقرار بالعبودية وخلع الأنداد وأن الله يقدم ما يشاء ويؤخر
ما يشاء» التوحيد: ص333 ب54 ح3.
وعن مرازم
قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «ما تنبأ نبي قط حتى يقرَّ لله عز
وجل بخمس: بالبداء والمشيئة والسجود والعبودية والطاعة»
التوحيد: ص333 ب54 ح5.
والمراد
بالمشيئة الاعتراف بأن الله مريد وليس مجبوراً كما يقوله بعض الفلاسفة.
وعن الريان
بن الصلت قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: «ما بعث الله نبياً قط إلا بتحريم
الخمر وان يقر له بالبداء» التوحيد: ص333ب54 ح6.
وعن مالك
الجهني قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «لو يعلم الناس ما في القول
بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه» التوحيد: ص333
ب54 ح7.
وعن عبد
الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ما بدا لله في شيء إلا كان في
علمه قبل أن يبدو له» الكافي: ج1ص148ح9.
وعن الجهني
عن الصادق عليه السلام قال: «إن الله لم يبد له من جهل»
الكافي: ج1 ص148ح10.
وعن منصور
بن حازم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم
الله بالأمس؟ قال: «لا، من قال هذا فأخزاه الله، قلت: أرأيت ما كان وما هو كائن
إلى يوم القيامة أليس في علم الله؟ قال: بلى قبل أن يخلق الخلق»
التوحيد: ص334ب54 ح8.
وعن إكمال
الدين عن الصادق عليه السلام قال: «من زعم أن الله عز وجل يبدو له في شيء لم
يعلمه أمس فابرؤوا منه» كمال الدين:ص70.
وعن إسحاق
عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال: «في قول الله عز وجل:
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ)
لم يعنوا أنه هكذا، ولكنهم قالوا: قد فرغ من الأمر فلا يزيد ولا ينقص، فقال
الله جل جلاله تكذيباً لقولهم: (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ
وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ)
ألم تسمع الله عز وجل يقول: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا
يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)
الرعد:39» التوحيد: ص167 ب25 ح1.
أقول: وإنما
قال: «يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ» كناية عن منتهى القدرة و إلا فالله سبحانه
وتعالى ليس بجسم كما هو واضح.
وعن تفسير
العياشي قال أبو حمزة: فقلت لأبي جعفر عليه السلام: «إن علياً عليه السلام كان
يقول: إلى السبعين بلاء وبعد السبعين رخاء وقد مضت السبعون ولم يروا رخاء، فقال
لي أبو جعفر عليه السلام: يا ثابت إن الله كان قد وقت هذا الأمر في السبعين،
فلما قتل الحسين عليه السلام إشتد غضب الله على أهل الأرض فأخَّره إلى أربعين
ومائة سنة، فحدثناكم فأذعتم الحديث وكشفتم قناع الستر فأخَّره الله ولم يجعل
لذلك عندنا وقتاً، ثم قال: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)
الرعد:39» تفسير العياشي: ج2ص218 من سورة الرعد:ح69.
وعن حمران
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)
فقال: «يا حمران، إنه إذا كان ليلة القدر ونزلت الملائكة الكتبة إلى سماء
الدنيا فيكتبون ما يقضى في تلك السنة من أمر، فإذا أراد الله أن يقدم شيئاً أو
يؤخره أو ينقص منه أو يزيد أمر الملك فمحا ما يشاء ثم أثبت الذي أراد، قال:
فقلت له: عند ذلك فكل شيء يكون فهو عند الله في كتاب؟ قال: نعم، قلت: فيكون كذا
وكذا ثم كذا كذا حتى ينتهي إلى آخره؟ قال: نعم، قلت فأي شيء يكون بيده بعده؟
قال: سبحان الله، ثم يحدث الله أيضاً ما شاء تبارك وتعالى»
تفسير العياشي: ج2
ص216 من سورة الرعد ح62.
وعن أبي
عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن قول الله عزوجل: (الم غُلِبَتِ
الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) الروم: 1ـ2 قال: «يا أبا عبيدة إن لهذا
تأويلاً لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم من الأئمة عليهم السلام، إن رسول
الله صلى الله عليه وآله لما هاجر إلى المدينة وقد ظهر الإسلام كتب إلى ملك
الروم كتاباً وبعث إليه رسولاً يدعوه إلى الإسلام، وكتب إلى ملك فارس كتاباً
وبعث إليه رسولاً يدعوه إلى الإسلام، فأما ملك الروم فإنه عظَّم كتاب رسول الله
صلى الله عليه وآله، وكان ملك فارس يومئذ يقاتل ملك الروم، وكان المسلمون يهوون
أن يغلب ملك الروم ملك فارس، وكانوا لناحية ملك الروم أرجا منهم لملك فارس،
فلما غلب ملك فارس ملك الروم بكى لذلك المسلمون واغتموا فأنزل الله: (الم
غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) يعني غلبتها فارس في أدنى الأرض وهي
الشامات وما حولها، ثم قال: وفارس (مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ) الروم:3،
(سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ)، قوله: (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ
وَمِنْ بَعْدُ) أن يأمر (وَمِنْ بَعْدُ أن يقضي بما يشاء)، قوله: (وَيَوْمَئِذٍ
يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ).
قلت: أليس
الله عزوجل يقول: (فِي بِضْعِ سِنِينَ) وقد مضى للمسلمين سنون كثيرة مع رسول
الله صلى عليه وآله وفي إمارة أبي بكر وإنما غلب المؤمنون فارس في إمارة عمر؟
فقال: ألم
أقل لك إن لهذا تأويلا وتفسيرا، القرآن يا أبا عبيدة ناسخ ومنسوخ، أما تسمع
قوله (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) يعني إليه المشيئة في القول
أن يؤخر ما قدَّم ويقدِّم ما أخَّر إلى يوم يحتم القضاء بنزول النصر فيه على
المؤمنين وذلك قوله عزوجل: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ
اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ)» بحار الأنوار: ج4ص100ب3 ح10، وتفسير القمي:ج2ص152و153من
سورة الروم) الروم: 1ـ5.
أقول:
(لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) حيث حذف المتعلق احتمل فيه
احتمالات متعددة، وقد ذكر الإمام عليه السلام أحد الاحتمالات بمناسبة المقام في
كلامه مع السائل.
وفي مكالمة
سليمان المروزي في أمر البداء قال عليه السلام: «وما أنكرت من البداء يا
سليمان، والله عزوجل يقول: (أَوَلاَ يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ
مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) » مريم:67.
ويقول عزوجل:
(يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) الروم:27 ويقول:
(بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ) البقرة:117 الأنعام:101 يقول: (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا
يَشَاءُ) فاطر:1 ويقول: (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ) السجدة:7
ويقول عزوجل: (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ
وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) التوبة: 106ويقول عزوجل: (وَمَا يُعَمَّرُ مِن
مُعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ) فاطر:11..
قال سليمان:
هل رويت في ذلك عن آبائك؟ قال: نعم رويت عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:
إن الله عزوجل علمين علماً مخزوناً مكنوناً لا يعلمه إلا هو، من ذلك يكون
البداء، وعلماً علَّمه ملائكته ورسله، فلعلماء من أهل بيت نبينا يعلمونه، قال
سليمان: أحب أن تنزعه لي من كتاب الله عزوجل، قال: قول الله عزوجل لنبيه صلى
الله عليه وآله: («فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ»
الذاريات 54 أراد
هلاكهم ثم بدا الله تعالى فقال: «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ
الْمُؤْمِنِين») الذاريات:55.
قال سليمان:
زدني جعلت فداك. .
قال الرضا
عليه السلام: «لقد أخبرني أبي عن آبائه عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه
وآله قال: إن الله عزوجل أوحى إلى نبي من أنبيائه أن اخبر فلانا الملك أني
متوفيه إلى كذا وكذا فأتاه ذلك النبي فأخبره فدعا الله الملك وهو على سريره حتى
سقط من السرير وقال: يا رب أجِّلني حتى يشب طفلي واقضي أمري، فأوحى الله عزَّ
وجل إلى ذلك النبي أن أئت فلانا الملك فأعلم أني قد أنسيت في أجله وزدت في عمره
إلى خمس عشرة سنة، فقال ذلك النبي: يا رب إنك لتعلم أني لم أكذب قط فأوحى الله
عزوجل إليه إنما أنت عبد مأمور فأبلغه ذلك والله لا يسأل عما يفعل.
ثم التفت
إلى سليمان فقال: أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب، قال: أعوذ بالله من ذلك،
وما قالت اليهود؟ قال: قالت اليهود: (يَدُ اللّهِ
مَغْلُولَةٌ) المائدة 64
يعنون أن الله قد فرغ من الأمر فليس يحدث شيئاً، فقال الله عز وجل:
(غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا)..
» إلى آخر الخبر المذكور في العيون والبحار وعيون أخبار الرضا عليه السلام: ج1
ص181 ز182 ب13 ح1، وبحار الأنوار: ج4 ص95 ب3 ح2.
وعن زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام قال: (كان علي بن الحسين عليه السلام يقول: لولا آية
في كتاب الله لحدثتكم بما يكون إلى يوم القيامة، فقلت له: آية آية؟ قال: قول
الله: «يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»)
تفسير العباشي: ج2 ص215.
وسأل محمد
بن صالح أبا محمد عليه السلام عن قوله تعالى: «لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ
وَمِنْ بَعْدُ» الروم: 4
فقال: (له الأمر من قبل أن يأمر به وله الأمر من بعد أن يأمر به بما
يشاء) بحار الأنوار: ج4 ص216 ح64 من سورة الرعد.
بين علم المعصومين
والبداء:
وبذلك يظهر
وجه الجمع بين أنهم عليهم السلام يعلمون ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وبين
مثل:أن الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف لا يعلم بنفسه أيضا وقت ظهوره، وبين
مثل قوله سبحانه: «وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ
الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ» الأعراف: 118 وما أشبه ذلك.. .
فيحتمل انهم
عليهم السلام يعلمون غيرما فيه البداء الذي هو من أم الكتاب الخاص بعلم الله
سبحانه وتعالى كما أشار إلى ذلك قوله عليهم السلام: (لولا آية من كتاب الله)
إرشاد القلوب: ص374 مكالمته عليه السلام مع رأس اليهود ويحتمل غير ذلك.
من آثار معرفة البداء
والحاصل: إن
وجود البداء يفتح على الإنسان باب الخوف والرجاء، والإنابة والدعاء، والمواظبة
على الطاعة وترك المعصية، والخوف من سوء العاقبة والتوبة، وابتغاء الوسيلة إليه
سبحانه وتعالى، وصلة الأرحام،والصدقة، والاجتهاد في العبادة، والتضرع إليه
تعالى شأنه، وغير ذلك من الأمور التي تجعل العبد بين الخوف والرجاء.. .
فإن مثل ذلك
يوجب كمال الإنسان،فإن المطمئن بالعاقبة الحسنة قد لا يعتمد على الله حق
الاعتماد في الدعاء وما أشبه، كما أن المطمئن على العاقبة السيئة لا يرجو الله
ولا يعمل حتى ينقذ نفسه من عذابه سبحانه، وقد ذكرنا في أول هذا البحث أن البداء
يدل عليه الكتاب والنسة والإجماع والعقل، وإنما لا يقول بالبداء غير الموالين
لهم عليهم السلام وإن قالوا به في الجملة أيضاً.
الآجال المعلّقة:
ثم لا يخفى
إن الآجال المعلقة ـ كما في ألسنة الناس ـ من قبيل: «يَمْحُوا اللَّهُ مَا
يَشَاءُ وَيُثْبِتُ» الرعد:39، فإنه يستفاد من الآيات والأخبار: أن للإنسان
أجلين: أجلاً محتوماً، وأجلاً غير محتوم، وسمي بالأجل المعلق والأجل الموقوف،
وهذا الأجل الثاني يقدمه الله ويؤخره ويزيد فيه وينقصه بطاعة أو معصية أوصلة
رحم أو دعاء أو صدقة أو عمل بر أو ما أشبه ذلك .. كما قال علي عليه السلام:
«وصنائع المعروف فإنها تدفع ميتة السوء» معدن الجواهر، وهذا الكلام وان كان
المحتمل منه الموت الحسن في مقابل الموت السيء، لكنه يحتمل أيضاً الأعم من ذلك
بأصل الموت وعدمه، وقد تقدمت قصة عيسى عليه السلام مع تلك العروس ـ تقدمت في
موضوع معنى يمحو الله ـ وحتى إذا أخذ بظاهر كلام أمير المؤمنين عليه السلام فإن
ميتة السوء كانت مقدرة لولا صنائع المعروف.
وبالنسبة
إلى الأجل المحتوم قال سبحانه: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ
سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) الأعراف:34.
وقال تعالى:
(مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ)
الحجر:5.
وقال
سبحانه: (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ
سَاعَة) يونس:49.
وقال تعالى:
(وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا)
المنافقون:11.
وقال عزَّ
وجل: (أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لاَ يُؤَخَّرُ)
نوح:4.
وبالنسبة
إلى الأجل الموقوف أو المعلق: قال سبحانه: (ثُمَّ قَضَى أَجَلٌ مُسَمّىً
عِندَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) الأنعام:2.
وعن الصادق
عليه السلام قال: «الأجل المقضي هو المحتوم الذي قضاه الله وحتمه، والمسمى هو
الذي فيه البداء يقَّدم ما يشاء ويؤخِّر ما يشاء، والمحتوم ليس فيه تقديم ولا
تأخير» تفسير القمي ج1ص194.
وعن أبي
بصير عن الباقر عليه السلام في وقوله تعالى: (وَلَن
يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا)
المنافقون:11 قال: «إن
عند الله كتباً موقوفة يقِّدم منها ما يشاء ويؤخر، فإذا كان ليلة القدر أنزل
فيها كل شيء يكون إلى مثلها» بحار الأنوار: ج5 ص139ب4ح2
الحديث.
وعن تفسير
العياشي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى:(ثُمَّ قَضَى أَجَلٌ مُسَمّىً
عِندَهُ) الأنعام:2 قال: «الأجل الذي غير مسمى موقوف، يقدم منه ما يشاء ويؤخر
منه ما شاء، وأما الأجل المسمى فهو الذي ينزل مما يريد أن يكون من ليلة القدر
إلى مثلها من قابل، قال: وذلك وقوله عزَّ وجل: «فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ
يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً» الاعراف: 34، النحل:61)
تفسيرالعياشي: ج1 ص354 ح5
سورةالأنعام.
وعن الصادق
عليه السلام في حديث حمران قال: (المسمى: ما سمي لملك الموت في تلك الليلة وهو
الذي قال الله تعالى: «فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً
وَلاَ يَسْتَقْدِمُون» يونس49 وهو الذي قال: سمى لملك الموت في ليلة
القدر، والآخرة: له فيه المشيئة إن شاء قدَّمه وإن شاء أخره)
بحار الأنوار: ج5 ص139 ب4 ح4.
وعن حمران
عن الصادق عليه السلام سألته عن قوله الله: (ثُمَّ قَضَى أَجَلٌ مُسَمّىً
عِندَهُ) الأنعام 2 قال: «فقال: هما أجلان: أجل موقوف يصنع الله ما يشاء، وأجل
محتوم» تفسير العياشي: ج1 ص354 و355 من سورة الأنعام ح7.
وفي رواية
أخرى عنه عليه السلام قال: «الأجل الأول هو الذي نبذه إلى الملائكة والرسل
والانبياء، والأجل المسمى عنده هو الذي ستره عن الخلائق»
بحار الأنوار: ج5 ص140 ب4 ج10.
وعنه عليه
السلام عن أبيه عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: «ان المرء
ليصل رحمه ما بقي من عمره إلا ثلاث سنين فيمدها الله إلى ثلاث وثلاثين سنة، وإن
المرء ليقطع رحمه وقد بقيمن عمره ثلاث وثلاثون سنة فيقصرها الله إلى ثلاث سنين
أو أدنى» قال الحسين: وكان جعفر عليه السلام يتلو هذا الآية:
(يَمْحُوا اللَّهُ
مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) الرعد:39» تفسير العياشي:
ج2 ص220 من سورة الرعد ح75، وفيه: عن الحسين بن زيد بن علي عن جعفر بن محمد
عليه السلام.
إلى غير من
الأخبار الكثيرة الموجودة في البحار بحار الأنوار: ج4 ب3 ص92 وغيره الكافي: ج1
ص146 باب البداء.
والحمد لله
رب العالمين.
|