س/
الإمام علي بن أبي
طالب عليه السلام هو بعد النبي صلى الله عليه وآله أشجع رجل على وجه
الأرض بلا شك وصاحب غيرة لا مثيل لها، فكيف يسكت عن:
1. هتك دار الزهراء
عليها السلام وضربها بالباب وإسقاط المحسن عليه السلام؟
2. سلبها حقها في أرض
فدك؟
فما هي حكمته عليه
السلام في السكوت، ولو كان الرسول صلى الله عليه وآله موجوداً في ذلك
الوقت هل سكت أيضا ولماذا؟ مع أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وحاشى أبا
الحسنين وقائد الغر الميامين من ذلك؟
*************************************************************
ج/
أولا: إن الحكمة من
سكوت الإمام أمير المؤمنين عليه السلام هي تقديم الأهم على المهم،
والأهم هنا هو حفظ الإسلام والقرآن ووحدة المسلمين، كل هذه الأمور كادت
تذهب لوكان الإمام قد خرج بالسيف لإعادة الحق، وهناك جملة من الظروف
الموضوعية والإشارات التاريخية تجعل الحكمة في تأخير المطالبة بالحق
والسكوت عليه.
جاء في كتاب
الاستغاثة لأبي القاسم الكوفي أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما
أوصى علياً عليه السلام بما احتاج إليه في وقت وفاته عرّفه جميع ما
يجري عليه من بعده من أمته واحداً بعد واحدٍ من المستولين. فقال عليه
السلام: فما تأمرني أن أصنع؟ قال تصبر وتحتسب إلى أن ترجع الناس إليك
طوعا، فحينئذ قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ولا تنابذن أحدا أبدا
من الثلاثة فتلقي بيدك إلى التهلكة ويرتد الناس في النفاق إلى الشقاق،
فكان عليه السلام حافظا لوصية رسول الله صلى الله عليه وآله إبقاءً في
ذلك على المسلمين المستضعفين وحفظاً للدين لئلا ترجع الناس إلى
الجاهلية الجهلاء وتثور القبائل تريد الفتنة في طلب ثارات الجاهلية
وذحولها، .... . (الاستغاثة، ابوالقاسم الكوفي، ج1، ص81)
وذكر مثل ذلك الشهيد
نور الله التستري في كتابه الصوارم المهرقة في الصفحة مائتين وخمسة
وثمانين.
أما الظروف الموضوعية
فقد كانت الدولة الإسلامية تعاني من خطر اليهود المجاورين والمنافقين
والمتربصين من الحاقدين والمبغضين خصوصاً لعلي عليه السلام الذي ضرب
خراطيم الكثير حتى قالوا لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه
وآله، والعدو الأهم كان من خارج جسد الأمة الإسلامية، وهو الدولة
الرومية التي استضعفت الدولة الإسلامية قبيل وبعد رحيل النبي صلى الله
عليه وآله، وهجمت على بعض المدن الحدودية الإسلامية وفعلت ما فعلت
فيها.
وأما من العدو فكان
داخل الدولة الإسلامية يتالف من المنافقين والمتربعين دوائر السوء
والسيود و... الخ، وقد عالج النبي صلى الله عليه وآله الموقف بتشكيل
جيش أسامة الذي لم يكن جيشاً استعراضياً بل هجومياً للدفاع عن الدولة
الإسلامية من جهة وإخراج المنافقين والمتربعين، وغيرهم من أعداء الله
ورسوله من المدينة لضمان عدم الانقلاب بعد رحيله صلى الله عليه وآله،
لذلك لعن النبي المتخلف عن جيش أسامة لعدم خلوة، أحد الأمرين.
ثانياً: نعم لوكان
رسول الله صلى الله عليه وآله لفعل نفس ما فعله علي عليه السلام، وذلك
لوجود نفس الظروف الموضوعية ووجود نفس الهدف وهو الحفاظ على الإسلام
والقرآن والدين.
ثالثاً: بعد تسليمنا
لعصمة، علي عليه السلام، فكلما صدر منه، قولاً كان او فعلاً، فهو صحيح
وان لم نفهم ولم نصل إلى مغزى ذلك العمل أو القول.
رابعاً: إن معنى
الساكت عن الحق شيطان أخرس هو: ذاك الذي يعرف الحق ويشخصه ويسكت عنه
مراعاةً لمصالحه الشخصية أو أشخاص آخرين، أما بالنسبة لما نحن فيه
فالسكوت لم يكن لأمر دنيوي ولا مصلحة شخصية مهما كانت، بل كانت لأجل
مصلحة إلهية مرتبطة بحفظ الدين والقرآن والمسلمين، كما أن السكوت الذي
انتهجه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كان بوصيةٍ أتى بها جبرئيل
عليه السلام بلغها النبي صلى الله عليه وآله عن أمر الله عزّ وجل
(الكافي: ج1، ص282، كتاب الحجة)، فالحق حق الله تبارك وتعالى والأمر
بالسكوت عليه منه سبحانه، فالحديث الشريف «الساكت عن الحق شيطان أخرس»
(فقه السنه: ج2 ـ الشيخ السيد سابق ص611)، (وضوء النبي صلى الله عليه
وآله: ج1 السيد علي الشهرستاني ص203) إذن لا يشمل ما نحن فيه من موضوع. |