التوحيد

الجزءُ الثالث

 

الصفات الجمالية لله سبحانه

تمهيدٌ:

إن لله وجود عظيم لا يحده زمان ولا مكان ولا جهة.

وصفاته كذلك، لا يحدها شيء.. فهي كثيرة جداً، ووسيعة جداً.

1: فهناك كثرة في الكيفية: فصفة العلم لا تقف عند حد، حتى يقال: يعلم الله هذا ولا يعلم ذاك، كما هو في المخلوق كذلك، أو يقال: يقدر الله على شيء ولا يقدر على شيء آخر، أو يقال: يسمع الله صوت فلان ولا يسمع صوت فلان.

2: وهناك كثرة في الكمية: فصفاته كثيرة كثيرة.. وما ذكرناه من العلم والقدرة والحياة والإرادة ليس إلا قدراً قليلاً منها.

وقد ورد في القرآن الحكيم والسنَّة البيضاء عدة منها، ونحن نذكر في هذا الصدد جملة منها:

يقول القرآن الحكيم: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ  عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ*هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ  اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ*هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنَى‏ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّماوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الحشر:22ـ24.

وعن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحدة، من أحصاها دخل الجنة، وهي:

الله، الإله، الواحد، الأحد، الصمد، الأول، الآخر، السميع، البصير، القدير، القاهر، العلي، الأعلى، الباقي، البديع، الباريء، الأكرم، الظاهر، الباطن، الحي، الحكيم، العليم، الحليم، الحفيظ، الحق، الحسيب، الحميد، الحفي، الرب، الرحمن، الرحيم، الذارئ، الرزاق، الرقيب، الرؤوف، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، السند، السبوح، الشهيد، الصادق، الصانع، الطاهر، العدل، العفو، الغفور،الغني، الغياث، الفاطر، الفرد، الفتاح، الفالق، القديم، الملك، القدوس، القوي، القريب، القيوم، القابض، الباسط، قاضي الحاجات، المجيد، المولى، المنان، المحيط، المبين، المقيت، المصور، الكريم، الكبير، الكافي، كاشف الضر، الوتر، النور، الوهاب، الناصر، الواسع، الودود، الهادي، الوفي، الوكيل، الوارث، البر، الباعث، التواب، الجليل، الجواد، الخبير، الخالق، خير الناصرين، الديان، الشكور، العظيم، اللطيف، الشافي» الخصال: ص593 ح4 لله تبارك وتعالى تسعة وتسعون إسما. وراجع عدة الداعي: ص317 خاتمة الكتاب في الأسماء الحسنى. والتوحيد: ص219 ح11 باب أسماء الله تعالى والفرق بين معانيها…

 

البساطة:

إذا نظرنا إلى الإنسان، وجدناه مركباً من أجزاء: العين والأذن والفم.. واللحم والدم والعظم..

وإذا لاحظنا الحيوان وجدناه مثل الإنسان، وإنما الفرق بينهما بالإدراك.. ونحوه.

وإذا سبرنا أحوال سائر الأشياء من نبات وحجر، وماء وهواء و... وجدنا كلها مؤتلفة من أجزاء وأعراض وألوان.

والموجودات كلها تشترك في هذه الناحية من غير فرق بين أن يكون صغيراً كالجرثومة، أو كبيراً كسائر الأشياء.

لكن الله تعالى ليس كذلك.

فليس له جزء، بل هو بسيط.

لا أذن له كآذاننا، ولا عين له كأعيننا، ولا يد ورجل له كأيدينا وأرجلنا، و...

لو كان لله يد ورجل، أو لسان أو مقلة، أو جوارح أو أعضاء.. لكان مركباً.

وكل مركب يحتاج إلى أحد يؤلِّفه ويركِّبه.

والله ليس قبله أحد حتى يكون هو المركِّب للإله.

يقول القرآن الحكيم: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ) الشورى: 11.

وقال تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) الانعام: 91.

إن الله ليس بجسم ولا بذي أعضاء، ولا يشابهه شيء، وليس له جوف كأجواف المخلوقين، ولم يكن له والد ولّده، ولم يلد هو أحداً ـ كما زعمت اليهود ـ إن عزيراً ابن الله !‍ وكما زعمت النصارى: إن المسيح ابن الله إشارة إلى قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ  ابْنُ اللّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى‏ يُؤْفَكُون) التوبة: 30.

وقد سأل جماعة من النبي صلى الله عليه وآله عن الله؟

فأنزل الله في الجواب لهم: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ*اللَّهُ الصَّمَدُ*لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ*وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً أَحَدٌ» الإخلاص: 1ـ4.

وكتب محمد الهمداني إلى أبي الحسن عليه السلام: إن من قبلنا من مواليك قد اختلفوا في التوحيد، فمنهم من يقول جسم، ومنهم من يقول صورة؟

فكتب عليه السلام بخطه: «سبحان من لا يحد، ولا يوصف، ليس كمثله شيء، وهو السميع العليم» التوحيد: ص100 ح9 باب انه عز وجل ليس بجسم و لا صورة.

وقال الصادق عليه السلام: «لا جسم ولا صورة، ولا يحس ولا يجس، ولا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الأوهام، ولا تنقصه الدهور، ولا تغيره الأزمان..» بحار الأنوار: ج3 ص291 ب13 ح8.

وقال عليه السلام ليونس: «يا يونس من زعم أن لله وجهاً كالوجوه فقد أشرك، ومن زعم أن لله جوارح كجوارح المخلوقين فهو كافر بالله..» كفاية الأثر: ص255 باب ما جاء عن جعفر بن محمد صلى الله عليه وآله مما يوافق هذه الاخبار…

وقال عليه السلام: «.. إن الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئاً، ولا يشبهه شيء، وكلُّ ما وقع في الوهم، فهو بخلافه» بحار الأنوار: ج3 ص290 ب13 ح 4.

إن من الناس من يتخيل أن الله في السماء، ومنهم من يزعم أنه جالس على العرش، ومنهم من يظن أنه قطعة من نور، ومنهم من يتوهم أنه كالإنسان له وجه ويد ورجل.

كل هذه الأوهام مما يأباه العقل، ويرده القرآن والسنة.

إن الله لو كان في العرش كان محتاجاً إليه، ولو كان له جارحة كان محتاجاً إليها..، والله غني ـ بجميع معنى الكلمة ـ لا يحتاج إلى شيء أبداً.

 

لا نعلم:

هل تفكرت ـ يوماً ـ في أنك لا تعلم أشياء كثيرة؟

هل عرفت أن ما لا تعلم، أكثر وأكثر مما تعلم؟

هل طرق سمعك أن شُعب العلم التي توصل إليها العلماء، تقرب من المائة والثلاثين علماً أما التقسيمات والتفريعات للعلوم في يومنا هذا فأكثر من ذلك كما لا يخفى (الناشر).

، فالفيزياء علم، والكيمياء علم، والحساب علم، والهندسة علم، والطب علم، و...

ثم هل تدري انك لا تعرف من العلوم إلا شيئاً يسيراً؟

وهل رأيت في الكتب أن العلماء مع هذا التوسع المدهش من العلم، وهذه الاختراعات، يركعون أمام عظمة الكون وأسراره خشعاً، ويقولون: إن ما كشفناه ليس شيئاً بالنسبة إلى ما لم نكتشفه، وإن العالم مليء بالأسرار والعلوم؟

وهل قرأت: أن الروح التي هي بين جنبيك، وبين جنبي كل ذي روح، لم يًعرف حقيقتها إلى الآن، مع كثرة فحص العلماء عنها وشدة ولعهم لاكتشافها؟

وهل سمعت أن العقل أخ الروح في هذه الجهالة والغموض؟

دعنا عن العقل والروح..

هل سمعت أن الكهرباء التي تضيئنا في كل ليل، وتحرك مراوحنا وتغسل أثوابنا، و... إلى ألف جهاز وجهاز التي تمونها الكهرباء، لم يعرف بعد حقيقتها، وإنما يقول العلماء: نرى آثارها، ولا ندرك كنهها؟

إنا ـ مع أنه لا نعرف حقيقة ما هو معنا دائم العمر كالروح والعقل.. ولا نعرف كنه ما نستفيد منه في كثير من شؤون حياتنا، كالكهرباء ـ كيف نتجرأ ونقول: ما هي حقيقة الله ‍؟

إن حقيقة الله شيء لا يعرف..

والعقل البشري أقصر من أن يدرك كنه الله..

إنا نعترف بوجود الله، لأنا نرى آثاره، كما نعترف بوجود الروح والكهرباء، لأنا نرى آثارهما..

أما حقيقة الله فلا يمكن معرفتها، بل نعرف الله بآثاره.

أتدري أن العين ولو كانت حادة، لا تبصر الجرثومة الصغيرة ولا تبصر الجرم البعيد، ولا تبصر الشيء القريب إليها جداً، ولا تبصر إلا مع وجود النور؟

إن العقل كذلك، فهو كالعين، لكن العين تدرك المحسوس في نطاق ضيق.. والعقل يدرك المعقول في نطاق ضيق أيضاً.

وكما أنه ليس من المنطق أن ننكر الأجسام البعيدة، بمجرد أنا لم نرها‍.. كذلك ليس من المنطق أن ننكر وجود الله، بمجرد أنا لاندرك حقيقته!‍

إن من يرى بناءً، يحكم بوجود البنّاء له، وإن لم ير البنّاء.

ومن يرى أثر القدم، يعلم بأنه مر هناك شخص، وإن لم ير الشخص.

لأن الأثر يدل على المؤثر، وإن لم يعرف حقيقة المؤثر ولم يره.

إنا لا نعرف حقيقة الله، ولم نر الله، لكنا عرفناه من آثاره، وكفى.

 

ليس بمرئي:

يقال: إن رجلاً أنكر وجود الله، وقال: إن كل شيء موجود لابد وأن يدرك بإحدى الحواس الخمس: العين والأذن والأنف واللسان واللمس، وأنا لم أرى الله، ولم أسمع صوته، ولم أشم ريحه، ولم أتذوق طعمه، ولم ألمس جسمه.

فصنع رجل ـ سمع مقالة الرجل المنكر ـ كرتين، كرة من خشب وكرة من حديد، وصبغهما ثم أتى بهما إلى المنكر، وقال: إن هاتين كرتان، صنعتْ إحداهما من خشب والأخرى من حديد، فهل تتمكن أن تحكم بمجرد نظرك إليهما بأن أيهما حديد وأيهما خشب؟

فنظر المنكر إليهما، وقال: لا أتمكن من التميز‍ بالنظر.

قال المثبت: فادن سمعك إليهما، لعلك تسمع صوتهما وتميزهما.

فأدنى المنكر أذنه، ولم يتمكن من التميز.

قال المثبت: فالطعهما بلسانك، لعلك تميزهما من الذوق.

فلطع المنكر، ولم يميز!

قال المثبت: فاستنشق ريحهما، لعلك تميز بالشم.

فلم يعرف المنكر‍!

قال المثبت: فالمسهما بيدك لعلك تميز باللمس.

فلمسهما المنكر، ولم يميز!

قال: فمن أين تميز بينهما؟

قال المنكر: أرفعهما، فأيهما كان أثقل عرفت أنه الحديد، وأيهما كان أخف عرفت أنه الخشب.

قال المثبت: ومن يحكم بأن الأثقل هو الحديد؟

قال المنكر: العقل.

فكر المثبت قائلاً: إن اللون الخفيف إذا كان حائلاً دون معرفتك وسد أبواب حسك حتى اعترفت بعجز حواسك عن الإدراك، ولجئت أخيراً إلى العقل.. فما يمنعك من الاعتراف بوجود الله الذي ترى آثاره، وإن لم تدركه حواسك؟

فانقطع المنكر، وقفل قفل: رجع.

 إلى الاعتقاد وآمن بالله!

إن الله ليس بمرئي، لأنه ليس بجسم.. وعدم رؤيتنا له ليس دليلاً على عدم وجوده!

إنا لم نر العقل، فمن أين نحكم: بأن هذا عاقل، وهذا مجنون؟.. ليس ذلك إلا بأنا نرى آثار العقل في أحدهما دون الآخر!

وكذلك نحكم بوجود الله، لما نشاهد من آثاره.

إن الله يمتنع عليه الرؤية، فلا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة، لأنه ليس بجسم، وكل ما ليس بجسم لا يمكن رؤيته.

يقول القرآن الحكيم: «لَاتُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير» الأنعام: 103.

وحيث طلب موسى عليه السلام من الله: أن يريه نفسه؟

أجابه الله: «أَرِنِي أَنْظُرْ  إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي» ـ تعليقاً على المستحيل ـ  «فَلَمّا تَجَلّى‏ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسى‏ صَعِقاً» الأعراف: 143.

وقد استعظم الله تعالى سؤال الرؤية فقال: «يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى‏ أَكْبَرَ مِن  ذلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ» النساء: 153.

وقام رجل يقال له: ذعلب، إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟

قال عليه السلام: ويلك يا ذعلب، لم أكن بالذي أعبد رباً لم أره.

قال: كيف رأيته؟ صفه لنا!

قال: «ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان» الكافي: ج1 ص 138 ح4، وبحار الأنوار: ج 4 ص 27 باب 5 ح2.

وقال الإمام الباقر عليه السلام لأبي هاشم: «يا أبا هاشم، أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند، والبلدان التي لم تدخلها، ولم تدركها ببصرك، فأوهام القلوب لا تدركها فكيف أبصار العيون» الكافي: ج1 ص99 ح 11، وبحار الأنوار: ج4 ص39 ب 5 ح 17.

وهناك في القرآن الحكيم آيات قد يتوهم منها أنه تعالى جسم، أو مرئي:

قال تعالى: «الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى‏» طه: 5.

وقال سبحانه: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ*إِلَى‏ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ» القيامة: 22 و23.

لكن هذا استعمال عرفي، كما نقول: استوى الملك على سرير السلطنة. والملك لم يجلس على السرير، وإنما نقصد أنه أخذ بأزمة الحكم.

أو نقول: أنظر إلى التلميذ الفلاني وقد أصبح مديرا، والحال أنه بعد تلميذ، وإنما نقصد من النظر العلم بذلك.

فيراد: إن الله مستول على أزمة الكون، آخذ بأطرافه.

وإن يوم القيامة يعلم الناس جميعاً بوجود الله، كأنهم ينظرون إليه، على خلاف ما كانوا في الدنيا شاكين فيه.

 

لا زمان ولا مكان:

الزمان والمكان، من عوارض الجسم.

الفراغ الذي يشغله الجسم، هو المكان.

والبقاء الذي للجسم، هو الزمان.

لكل جسم طول وعرض وارتفاع وامتداد وهو الزمان، كما يقول انيشتاين، آلبرت (1879ـ1955م) فيزيائي أميركي، ألماني المولد، يعتبر أحد أعظم عباقرة العلم في مختلف العصور، وضع النظرية النسبية، منح جائزة نوبل في الفيزياء لعام 1921م، من آثاره (معنى النسبية).

لو تخيلنا انه لا شيء في الوجود، فهل يبقى هناك زمان؟

كلا‍!

الزمان امتداد للجسم.

إن الله خارج عن الزمان والمكان، أي ليس له مكان فيقال: الله في السماء أو في الأرض، أو على العرش، أو.. أو..

وليس له زمان، فيقال: الله في يوم الجمعة، أو في شهر شعبان أو في سنة ألف، أو.. أو..

إن الله ليس بجسم، فلا زمان له ولا مكان.

فكما انه يرى كل الأشياء، أي يرى من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، من الأرض إلى منتهى الفضاء، من..

كذلك يرى كل الأزمنة، أي يرى الماضي والحال والمستقبل، في آن واحد.

إنا لا نرى آخر المشرق، لأنه يحيط بنا المكان الذي هو المغرب ـ مثلاً ـ .

وإنا لا نرى الماضي ولا المستقبل، لأنه يحيط بنا الزمان الذي هو الحال.

لكن الله لا مكان له، فيرى كل الأمكنة.

ولا زمان له، فيرى كل الأزمنة.

لو فرضنا أن رجلا ولد في جو مملوء من الدخان، لم يتصور هذا الرجل فضاءً ليس فيه دخان، بل يظن أن كل شيء محاط بالدخان.

أما الخارج عن الدخان، فيعلم أول الدخان وآخره. لأن الدخان لم يحط بهذا الرجل الخارج.

إنا كلما تصورنا الأشياء، نتصور معها الزمان والمكان، لأنا ولدنا، زمانياً ومكانياً.

أما الله الذي هو خارج عن الزمان والمكان، فلا تحويه الأزمنة والأمكنة.

قال الإمام الصادق عليه السلام: «إن الله تبارك وتعالى، لا يوصف بزمان ولا مكان ولا حركة ولا انتقال ولا سكون، بل هو خالق الزمان والمكان والحركة والسكون والانتقال..» الأمالي للشيخ الصدوق: ص 279 ح 7 المجلس السابع و الاربعون. والتوحيد: ص184 ح20 باب نفي المكان و الزمان و السكون و الحركة…

إن الله ليس في زمان ولا مكان، لكنه مطلع على الجميع، وآخذ بأزمة الجميع.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «إن موسى بن عمران، كان ذات يوم جالساً إذ جاءه ملك من المشرق، فقال له: من أين جئت؟

قال: من عند الله عزوجل.

ثم جاءه ملك من المغرب، فقال له: من أين جئت؟

قال: من عند الله عزوجل.

ثم جاءه ملك آخر، فقال: من أين جئت؟

قال قد جئتكم من السماء السابعة، من عند الله عز وجل.

وجاءه ملك آخر، فقال: من أين جئت؟

قال: قد جئتك من الأرض السابعة السفلى من عند الله عزوجل.

فقال موسى عليه السلام: سبحان من لا يخلو منه مكان، ولا يكون إلى مكان أقرب من مكان» الاحتجاج: ص209-210، إحتجاجه عليه السلام فيما يتعلق بتوحيد الله وتنـزيهه عما لا يليقه من صفات…

وسمع أمير المؤمنين عليه السلام رجلاً يقول: والذي احتجب بسبع طباق.. فقال عليه السلام: «يا ويلك! إن الله أجل من أن يحتجب عن شيء، أو يحتجب عنه شيء، سبحان الذي لا يحويه مكان، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء» راجع الاحتجاج: ص210، إحتجاجه عليه السلام فيما يتعلق بتوحيد الله و تنـزيهه عما لا يليقه به من صفات.. والإرشاد: ج1 ص224 فصل في مختصر من كلامه في وجوب المعرفة بالله والتوحيد له.

 

لا أعراض:

كل شيء نراه في الوجود، تعترض عليه حالات مختلفة، وتنتابه صفات متباينة:

فالإنسان ينام ويتحرك، ويقوم ويقعد، ويغضب ويفرح، ويأكل وينكح، ويشيب ويضعف، ويسمن ويهزل و.. و..

والحيوان كالإنسان، في عروض كثير من الحالات عليه.

والنبات كذلك، ينمو ويكبر ويزهر ويثمر ويصفر ويهشم..

والحجر يصلد ويرخو ويتلون..

وهكذا الحال في سائر الموجودات..

هذه الأحوال كلها من عوارض الجسم:

فمن له قلب غضب وفرح، ومن له لحم ودم صح وسقم، ومن له بطن وفرج يأكل وينكح، و..

وماله جسم ينمو ويذبل، أو يرخو ويتلون..

أما الله: فلا جسم له، ولذا لا يعتريه الأحوال، ولا تتبادل عليه الأعراض.

يقول القرآن الحكيم: «اللّهُ لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ» البقرة: 255.

و قال تعالى: «وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ» الفرقان: 58.

وقال موسى بن جعفر عليهما السلام: «إن الله تبارك وتعالى أجل وأعظم من أن يحد بيد أو رجل، أو حركة أو سكون، أو يوصف بطول أو قصر، أو تبلغه الأوهام، أو تحيط به صفة العقول، أنزل مواعظه ووعده ووعيده، أمَرً بلا شفة ولا لسان..» التوحيد: ص75 ح 30 باب التوحيد ونفي التشبيه.